خمسون سنة
اشتعل الرأس شيبا ..
ها قد شارفت على الخمسين ..
على الرغم من عشقي للقراءة .. إلا أن الوقت أخذ يضيق بي ..
أصبحتْ مباهج الدنيا تأخذ متعة القراءة مني ..
هذا ابن قادم وذاك حفيد لا تُمل رؤيته ..
حياة تسير على ما أتمناه .. لا يكدر صفوها شيء ..
نهاية يوم الخميس حانت ..
بعد يوم طويل .. حافل بالزيارات والمرح ..
ودعت أبنائي وبناتي وأحفادي ..
صرخ هاجس في داخلي ..
هذه الدنيا عجب .. اجتماع وفرقة ..
سيرحل الجميع .. وسيودعون ويودعون ..
ستبقى وحيدا ..
ما هذه الأفكار ..
بسرعة .. تلفت يمنة ويسرة ..
مجموعة من الكتيبات ذات الحجم الصغير دائما تقع تحت نظري ..
لا شك أن ابنتي الصغرى هي التي وضعتها ..
فهي تهديها إلي بين حين وآخر وتحثني على قراءتها ..
كتاب أذكار الصباح والمساء ..
كتاب زاد المسلم اليومي ..
ماذا بعد ..
هنا كتيب صغير ..
لا يتجاوز أربع صفحات ..
لا يحتاج إلا لأربع دقائق قراءة ..
تناولته .. بسرعة استكملت قراءته ..
أصابني الدوار ..
همهمت بصوت خافت ..
لا أغسل ..
لا أكفن ..
ولا يصلى علي .
ولا أدفن مع المسلمين ..
ماذا بعد ....؟
أنا ابن الخمسين ..
هكذا ستكون نهايتي ..
لا ..
بل هناك المزيد سأعيد لكم القراءة مرة أخرى ..
ولكن بالتفصيل ..
الكتاب بعنوان : حكم تارك الصلاة ( لفضيلة الشيخ محمد بن عثيمين )
خلاصته ..
أن تارك الصلاة كافر ..
خاطبت نفسي هل أنا كافر .. ؟
أبعد هذا العمر .. أوصف بذلك ..
صوت بعيد ..
ولم لا ؟؟
ألست تاركا للصلاة ..
اسمع ما يترتب على تارك الصلاة من أحكام .
أولا: أنه لا يصح أن يتزوج فإن عقد له وهو لا يصلي فالنكاح باطل ولا تحل له الزوجة .
ثانيا: أنه إذا ترك الصلاة بعد أن عقد له فإن نكاحه ينفسخ ولا تحل له الزوجة .
ثالثا: أن هذا الرجل الذي لا يصلي إذا ذبح لا تؤكل ذبيحته لماذا ؟ لأنها حرام ولو ذبح يهودي أو نصراني
فذبيحته يحل لنا أن نأكلها .
رابعا : أنه لا يحل له أن يدخل حدود مكة أو حدود حرمها .
خامسا : أنه لو مات أحد من أقاربه فلا حق له في الميراث .
سادسا : أنه إذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين .. إذا ماذا يصنع به ؟
يخرج به إلى الصحراء ويحفر له ويدفن بثيابه لأنه لا حرمة له .
وعلى هذا فلا يحل لأحد مات عنده ميت وهو يعلم أنه لا يصلي أن يقدمه للمسلمين يصلون عليه .
عشت حلم الواقع ...
وضعت الكتاب جانبا .. رفعت يدي إلى رأسي .. ضغطت عليه بقوة ..
سقطت شيبة .. نظرت إليها ..
أبعد هذا الشيب ؟ لا أغسل ولا أكفن ...
ولا يصلى علي .. هذه نهايتي .. هذا ما جمعته في الدنيا ..
الله ..
كلمة خرجت بقوة من أعماق قلبي ..
أهذه نهايتي ؟!
أين نحن غافلون .. فلا شك أني مقصر .. بل ومفرط ..
ولكن خمسون سنة .. ولا أجد ناصحا يقول لي ذلك ..
كيف .. مسؤلية من هذه ؟!
غسلت الزمن الرديء بدموع التوبة ..
عاهدت نفسي أن أكون ناصحا لكل مخطىء ..
نهضت قائما .. سيصلى علي ..
وسأدفن إن شاء الله مع المسلمين .
من كتاب : الزمن القادم
لكاتبه : عبدالملك القاسم