حين رأيت جدتي
ذهبت للسلام على جدتي و زيارتها فجلست أستمتع بحديثها عن ذكريات الماضي و أخباره، فطار خيالي إلى واد آخر..، بدأت أعيد النظر في جسمها النحيل، و ظهرها المتقوس، و وجهها المتجعد، و عدت بعدها إلى الماضي، إلى مرحلة الشباب.
لقد كانت فتاة تتقد حيوية و شباباً، كانت ممن يضرب بها المثل في الجمال و بهاء الطلعة و كان يخطب ودها الجميع، و كم كان سرور جدي حين أجيب مطلبه بخطبتها.
ثم مضت السنون و سارت الأيام، فآلت إلى هذه الحال..، و لهذا كان غيرنا -من الأمم التي لا تدين بهذا الدين- يلفظونها حين تبلغ هذا المبلغ فلا تجد من يلتفت إليها و يعنى بها؛ ذلك أن الوفاء و البر و الصلة كلمات معدومة في قاموسهم.
لقد قادني هذا الموقف إلى التفكير فيما أنا عليه، فكم سنة: عشر، عشرون، أكثر من ذلك..؟ و بعدها أودع مرحلة الشباب و الحيوية إلى غير رجعة، و يبدأ العد التنازلي فأضع قدمي في أول طريق الهرم و الشيخوخة، فما تعدو حينها مرحلة الشباب أن تكون مجرد ذكرى وطيف يمر بالخيال.
و تساءلت: ترى لو كانت حال جدتي كما هي حال بعض الفتيات الغافلات اليوم، فكيف تنظر إلى ماضيها الآن؟ إنها سوف تجتر الأسى و الحزن على هذه الأيام التي ذهبت بلذاتها و رغباتها و شهواتها و بقي الألم، بقيت الذكرى السيئة، و بقى الشعور بالخوف من المستقبل، من اليوم الذي يجزى فيه المرء على الصغيرة و الكبيرة.
حمدت الله على أن سلكت طريق الخير و الصلاح، و شعرت أني مهما طال بي العمر، و مهما متعت نفسي بالشهوات و اللذات فإن قطار الشباب ما يلبث أن يقف معلناً دخولي مرحلة الهرم و الشيخوخة.
ماذا تستحق تلك السنوات القصيرة حين نقضيها في لهو و عبث فارغ، و ماذا سنقول عن أنفسنا حين يحدودب الظهر و يتجعد الوجه، أم ترانا -عافانا الله و حمانا و أحسن لنا الخاتمة- نصطحب السوء و الصبوة معنا إلى مرحلة الشيخوخة؟.
المصدر/هكذا كانت حياتي / صـ27