تنصرت الأشراف من عار لطمة
روي أن جبلة بن الأيهم بن أبي شمر الغساني لما اراد ان يسلم ،
كتب الى عمر بن الخطاب يعلمه بذلك ويستأذنه في القدوم عليه ، فسرّ عمر لذلك
والمسلمون ، فكتب إليه : ان اقدم ولك مالنا وعليك ما علينا ، فخرج جبلة في
خمسمائة فارس ، فلما دنا من المدينة لبس جبلة تاجه وألبس جنوده ثياباً منسوجة
من الذهب والفضة ، ودخل المدينة فلم يبق احد إلا خرج ينظر إليه حتى النساء
والصبيان ، فلما انتهى الى عمر رحَّب به وأدنى مجلسه ! ثم أراد الحج ، فخرج معه
جبلة ، فبينا هو يطوف بالبيت إذ وطئ على إزاره رجل من بني فزارة فحلّه ، فالتفت
إليه جبلة مغضباً ، فلطمه فهشم أنفه ، فاستعدى عليه الفزاري عمر بن الخطاب ،
فبعث إليه فقال : ما دعاك يا جبلة إلى ان لطمت أخاك هذا الفزاري فهشمت انفه
! فقال : إنه وطئ إزاري فحلّه ؟ ولولا حرمة البيت لضربت عنقه ، فقال له عمر : أما
الآن فقد أقررت ، فإما ان ترضيه ، وإلا أقدته منك . قال : أتقيده مني وأنا ملك
وهو سوقة ! قال عمر : يا جبلة ، انه قد جمعك وإياه الإسلام ، فما تفضله بشئ
إلا بالتقوى والعافية ، قال جبلة : والله لقد رجوت أن أكون في الإسلام أعزمني في الجاهلية ،
قال عمر : دع عنك هذا ، فإنك إن لم ترض الرجل أقدته منك ، قال جبلة : إذن أتنصر ، قال : إن تنصرت ضربت عنقك . فقال جبلة : أخّرني إلى غدٍ يا امير المؤمنين . قال : لك ذلك ، ولما كان الليل خرج جبلة وأصحابه من مكة ، وسار إلى القسطنطينية فتنصّر ، ثم ان جبلة طال به العهد في الكفر فتفكر في حاله فجعل يبكي وأنشأ يقول :
تنصرت الأشراف من عار لطمة ...... وما كان فيها لو صبرت لها ضرر
تكنفني منها لجاج ونخوة ...... وبعت لها العين الصحيحة بالعور
فياليت أمي لم تلدني وليتني ...... رجعت إلى القول الذي قال لي عمر
وياليتني أرعى المخاض بقفرة ...... وكنت أسير في ربيعة أو مضر
وياليت لي بالشام أدنى معيشة ...... أجالس قومي ذاهب السمع والبصر