سنين طويلة في تلك القرية البعيدة ..القريه المنسية ..,كنت ابن سبع سنين ..ألعب مع أبناء قريتي , الكل هناك سعيد .. انتهت معارك الثأر منذ سنين خلت ..منذ أربع سنين لم تعد هناك دماء ..واستراحت هذه القريه من صوت دوي انفجار البارود وصياح النساء الثكالى وبكاء الاطفال ودعوات العجائز وسقوط القتلى
كانت السعادة تغمر قلوب الصغار في ذلك اليوم اكثر من غيره ,فهو ثالث أيام العيد ويوم زواج ابن القرية ( سعدون ) من ابنة الشيخ ابن سالم ...
ابن سالم .. ذلك الرجل الذي يتجرع مرارة الأيام ورغم ثقل خطواته بعد مقتل ابنه الوحيد وتفطر كبده ..لازال ذلك الشيخ مكابرا ومتجاهلا انه كبر في عمره وليس لديه من الأبناء إلا ابنه القتيل وثلاث بنات ...
هذا اليوم الذي استطاع ابن سالم أن ينطق كلمته التي مازالت تتردد في مسمعي "سعدون يا ابني الحبيب ..أريد أن أزوجك ابنتي .. بنتي الأغلى من الجوهرة ..أريد أن أهديك الجوهرة وأريدك أن تصونها وتعرف مقدارها...أريدك أن تكون لي الولد والسند "
وبدأت الاحتفالات البدائية ..ووسط اللعب بالسيف وأناشيد الرجال وموائد الاحتفال .. كانت الصرخه ..الصرخه التي لا أنساها من الشيخ "يارب ..يارب .. يا الله " ,ووسط ذهول الكبار وفزع الصغار وصياح النساء ...,انطلق صوت الشيخ ابن سالم "السلاح ..السلاح ..الحقوهم ذبحوه ..الحقوهم ".., الرجال على الخيل يطاردون والخيل تسبق الخيل والغبار يتعالى وصيحات الحرب واصوات النساءوبكاء الاطفال ... , نظرت هناك .. الى خيمة العرس .. , ولا أرى شيئا من الغبار ,تقدمت قليلا بخطواتي المترددة ,وبعد انقشاع الغبار واختفاء أصوات الرجال وأبتعادهم ووسط صياح النساء وبكاء الأطفال .. , سمعت صوت ابن سالم " سعدون .. والله ماتنتفض معاليق الثياب الا والثار أو روحي "
سعدون على الارض قتيلا ... سعدون مات ,قتلوه أبناء الخيمه .. أبناء القريه المجاورة
مازال صوت الشيخ رغم ضجيج المدينه يتردد في مسمعي إلى الأن "سعدون أنا أريدك أن تكون لي السند ","سعدون الثار ، ياسعدون أريد أن أزوجك ابنتي "
وقتل سعدون دون سبب اقترفته يداه وإنما بسبب العادات الجاهلية لدى بعض الناس والتي ما أنزل الله بها من سلطان وسببها الخروج عن منهج رب العالمين وتحكيم كتابه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم .