إبــرة الطــبيب
رنّ جرسُ المدرسة، وانطلقَ التلاميذُ إلى الباحة، يركضون ويلعبون، يضحكون ويصرخون.. وظلّ أحمدُ في الصفِّ، يرتِّبُ كتبَهُ، وأصواتُ زملائه، تملأُ أذنيه..
وفجأة.
انقطعَتِ الحركةُ والأصوات!
قال أحمد مدهوشاً:
-أمرٌ عجيب.. ماذا حدث؟!
خرج مسرعاً، ليعرفَ السبب..
شاهد التلاميذَ مجتمعين، يمدُّون عيونهم إلى باب الإدارة..
انضمّ أحمدُ إليهم، ينظر حيثما ينظرون.
رأى رجلاً غريباً، يلبس رداءً أبيض .
-مَنْ هذا؟
-طبيبٌ من المدينة .
-ولمَ جاء إلى مدرستنا؟!
-ليضربَ التلاميذَ بالإبر
-لماذا؟
-يقولون إنها لقاح ضدّ المرض .
-أيّ مرض؟
-لا نعرف اسمه.
صمَتَ أحمدُ، وأخذ يراقبُ الطبيبَ، فرآه يجهِّزُ الإبرة .
خاف أحمد من وخزها، وأضمر في نفسه أمراً.
صفّ المعلّمُ التلاميذَ. وجعلوا يتقدّمون إلى الطبيب، واحداً إثر آخر..
كان أحمد مختبئاً، يحبس أنفاسه، ويسترق السمعَ، فلا يصلُهُ إلا أصواتٌ خافتة، وكلماتٌ غامضة.
مكث صامتاً يترقّب..
وأفلتَ التلاميذُ، وتعالتِ الأصوات، و.. أخرجَ أحمدُ رأسَهُ، ونظر مستطلعاً.. لقد انصرف الطبيب، وانتهى كلُّ شيء.
نهض أحمد فرحاً، يقول في نفسه:
-لم يدرِ بي أحد!
واختلط برفاقه، يستمع إلى حوارهم..
-كنتُ خائفاً من الإبرة
-ولمَ الخوف؟!.. إنها مثلُ وخزةِ الشوكة
-هل تؤلمك الآن؟
-لم أتألّمْ غيرَ دقيقة .
-ظننْتُ أنه سيأخذ ثمن الإبرة .
-ليس معنا قرش واحد!
-أخذناها مجاناً وانتهينا .
-وماذا ستفيدنا؟
-إنها تقي أجسامنا من المرض .
سمع أحمد هذا الكلام، فخجل من جبنه، وندم على هروبه، ولكنّ الندمَ لا يفيد، فبعد أيام، أصابه المرض، فانقطع عن المدرسة، ولبث في البيت..
قال والده، وهو يلمس جبينه:
-لم ينتفعْ باللقاح اللعين!
وقالت والدته، وهي محزونة:
-يجب أنْ نأخذَهُ إلى الطبيب.
-لا أملكُ إلا عشرين ليرة .
-وأنا معي ثلاث عشرة ليرة .
وقالت أخته الصغيرة:
-وأنا معي خمس ليرات .
قال الأب:
-لا حولَ ولا قوّة إلا بالله.
وقال أحمد في سرّه:
-لقد تعلّمْتُ درساً لن أنساه..
الألم القليل قد يُنتجُ راحةً كبيرة .
والمعلِّمُ هذه المرّة هو: إبرة الطبيب!