النقطـــتان
التقَتْ نقطتانِ، فوق صفحةٍ بيضاء..
وبعد أن تبادلتا التحية، قالت إحداهما للأخرى:
-ما أجملَ هذه الصفحة!
-تعالي، لنسير عليها .
-إذا سرنا عليها، ستمتلئُ خطوطاً .
-وما الضرر في ذلك؟
-نفسدُ الصفحةَ، فلا تصلحُ لشيء .
-اطمئنّي يا صديقتي.. سنرسم خطوطاً لها معنى.
-ماذا تقصدين؟
-اتبعيني، وسترين .
-أنا متعبة الآن .
-انتظريني إذاً، حتى أعود .
-سأنتظركِ.
سارتِ النقطةُ الصغيرة، فوق الورقة البيضاء، راسمة وراءها، خطاً أزرق، ينحني تارة، ويستقيم أخرى..
كانت خطواتها قصيرة، وطريقها طويلة، فأعياها المسير، ولكنها لم ترجع يائسة، بل ظلّتْ ماضية فيما عزمَتْ عليه، حتى بلَغتْ طرف الورقة، فاتجهَتْ نحو الأسفل، ثم انعطفَتْ راجعة، ترسم خطاً جديداً، يبعد عن الخط السابق، وظلَّتْ تحثُّ الخطا، حتى وصلَتْ إلى المكان الأوّلِ، الذي انطلقَتْ منه، فوجدَتْ صديقتها في انتظارها..
قالت لها، وهي تلهث:
-انظري ما صنعْتُ على الورقة!
تأمّلَتْ صديقتها، الشكل المرسوم، وما لبثت أنْ قالت:
-هذه خارطةُ الوطن العربي!
-هل أفسدْتُ بها الصفحة؟
-لقد أحسنْتِ يا صديقتي، فاستريحي حتى أكملَ العمل.
-ماذا ستفعلين؟
-سأرسمُ الحدودَ، بين الدول العربية
-إيّاكِ أنْ تفعلي!
-لماذا؟
-لن نضعَ حدوداً بين الأشقّاء .
فكّرتِ النقطةُ فيما سمعَتْ، ثم قالت مسرورة:
-ما أعظمك يا صديقي!
تبادلَتِ النقطتانِ النظرات، وارتفع منهما هتافٌ واحد!
-لن نرسم الحدود.
-لن نرسم الحدود .
فرحَتِ النقطتانِ، وتعانقتا طويلاً..
شعرتا بسعادة كبيرة، وكرهتا العودة إلى الانفصال لقد صارت النقطتانِ الصغيرتان، نقطةً واحدةً كبيرة: