المطــــر
في حديقةِ القصر الكبير، قعد الثريُّ الأكرشُ، على مقعد وثير.. وضع كلبه بين ساقيه، وأخذ يسرّحُ له شعره، ويرشفُ القهوةَ مسروراً..
ونزل المطرُ غزيراً..
تلبّد شعرُ الكلب، وابتلّتْ ثيابُ الغني، فجعل يصرخ مغتاظاً:
-قفْ أيُّها المطرُ اللعين!
ولكنَّ المطرَ لم يقف..
وظلّتْ قطراته الضاحكة، ترقص على الأرض.. والأرضُ تضمُّها إلى صدرها، كأنها أُمٌّ رؤوم، فقد مضى زمنٌ طويل، والمطر لم يهطل.
وحزنتِ الأرضُ المعطاء، لأنها لا تقدرُ على العطاء. لقد نضبَ ماؤها، وجفَّ ترابها ، وكثرتْ أخاديدها، وصارتِ الأرض، شفاهاً ظامئة، ترتقب المطر. ولكنّ المطر لم يهطل.
والعشب لم ينبت
وجاعت الأغنام، وجفّتِ الضروع.
وطلب الأطفالُ الحليب، وليس من مجيب.
وأصابَ الهزالُ الحملان، وأصبح الموتُ يفترسها، فيرمقها الرعاةُ بأبصارهم، ولا يدرون ماذا يفعلون.
فالمطرُ لم يهطل!
والعشبُ لم ينبت!
وذهب الفلاحون إلى الحقول..
وقفوا على أطرافها، يتأمّلونها محزونين..
فالمطر لم يهطل!
والزرع لم ينبت!
والتعبُ قد يضيع، والبذارُ قد يموت.
ويبقى العيالُ، بغير غذاء.
ماذا يعملون؟!
اتجهوا إلى السماء، ورفعوا الكفوفَ والأبصار، يدعون بخشوع، ليهطل المطر..
وانتثر المطر، كأنّهُ الدُّرَر..
واهتزّتِ الأرضُ، للخصب والثمر.
وأمطر الفرح..
ورقص الرعاة، وابتلّوا بالمطر .
يا فرحةَ الفلاح، يا فرحةَ الشجر .
يا فرحةَ التراب، يعانق المطر .
وانتصب الثريُّ، في شرفة قصره، كأنه تمثال من حجر، يسائل نفسه مدهوشاً:
-لماذا يهطل المطر؟!