موعظة للحسن البصري
وقال رضي الله عنه: "إن الدنيا دار عمل من صحبها بالنقص لها والزهادة فيها سعد بها
نفعته صحبتها، ومن صحبها على الرغبة فيها والمحبة لها شقي بها وأسلمته إلى ما
لا صبر له عليه ولا طاقة له به من عذاب الله، فأمرها صغير ومتاعها قليل، والفناء عليها
مكتوب، والله تعالى ولي ميراثها، وأهلها محولون عنها إلى منازل ومنها يخرجون،
فاحذروا ذلك الموطن وأكثروا ذلك المنفلت، واقطع يا ابن ءادم من الدنيا أكثر همك، ولا
تميل إلى الدنيا فترديك منازل سوء مفضية بأهلها إلى ندامة طويلة وعذاب شديد، فلا
تكونن يا ابن ءادم مغترا، ولا تأمن ما لم يأتك الأمن منه فإن الهول الأعظم ومفظعات
الأمور أمامك لم تخلص منها حتى الآن، ولا بد من ذلك المسلك وحضور تلك الأمور إما
يعافيك من شرها وينجيك من أهوالها، وإما الهلكة وهي منازل مخوفة محذورة مفزعة
للقلوب، فلذلك فاعدد ومن شرها فاهرب، ولا يلهينك المتاع القليل الفاني، ولا تربص
بنفسك فهي سريعة الانتقام من عمرك فبادر أجلك، ولا تقل غدا غدا فإنك لا تدري
متى إلى الله تصير فان الحجة لله بالغة، والعذر بارز، وكل مواف الله عمله، ثم يكون
القضاء من الله في عباده على أحد أمرين: فمقضي له رحمته وثوابه فيا لها نعمة
وكرامة، ومقضي سخطه وعقوبته فيا لها من حسرة وندامة، ولكن حق على من جاءه
البيان من الله بأن هذا أمره هو واقع أن يصغر في عينيه ما هو عند الله صغير، وأن
يعظم في نفسه ما هو عند الله عظيم".