الصخـــرة
كــان بيتنا على حدود القرية، قريباً من سفح الجبل.. لم نعرف بيتاً غيره، فأحسسنا بالغربة والملل.. ذات يوم.. عاد والدي من المدرسة، فسألته:
-لماذا لا يزورنا أهلُ القريةِ ونزورهم؟
قال أبي:
-لأنهم بخلاء.
وقالت أُمِّي:
-لأننا غرباء .
-عند المساء، قال والدي:
-هيّا نذهبْ إلى الجبل .
خرجنا نطير فرحاً:
تسلّقنا الصخور العالية.. قطفْنا الأزهار الجبلية.. نال منا التعب..
شاهد والدي، صخرة كبيرة، يغمرها الظلُّ، فقال لنا:
-هذا أفضلُ مكانٍ نستريحُ فيه .
قعدْنا على الصخرة الملساء، نشرب الشاي مسرورين..
-لم نهجر الصخرة بعد ذلك..
كنا نزورها كلّ يوم .
نأخذ طعامنا، ونأكله فوقها .
نلعب حولها، ونبني بيوتاً صغيرة.
نقبع عليها صامتين، ونسمع من أُمّنا الحكايات.
ثم نتركها في الليل، لنأتيها في النهار .
-في آخر العام الدراسي..
ذهبنا إلى الصخرة، وقعدْنا كلُّنا عليها..
التقط لنا والدي عدّة صور، وقال:
-هذا آخرُ يومٍ ترون فيه الصخرة .
-لماذا يا أبي؟
-سننتقل إلى قرية بعيدة .
مكثْتُ واجمة صامتة، لم ألعبْ ولم أفرح..
وحينما نهض أهلي، ليرجعوا إلى البيت، أخرجْتُ من جيبي، قطعة من الطباشير، وكتبْتُ على الصخرة:
-وداعاً يا صخرتنا الحبيبة!
-في الصباح الباكر..
أحضر والدي سيّارة، حملنا عليها متاعنا، ثم ركبنا فيها، وسارت بنا، تُبعدُنا شيئاً فشيئاً.. وعندما بلغنا أعلى الجبل، التفتُّ نحو الصخرة وبكيت..